هل يصل ثواب قراءة القرآن للميت

حكم قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت ؟

الإجابة عن هذه الأسئلة لا بد لها من التأصيل بنقطين اثنتين :

1-  الأصل أن الإنسان إذا مات انقطع عمله : ويدل على هذا حديث أبي هريرة في صحيح مسلم عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا»

2-  لا يستثنى من هذا إلا ما جاء به الشرع سواء في كتاب الله أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : وهذا أصل في المسألة فوصول ثواب عمل إلى الميت يحتاج إلى دليل مستقل .

ومن هذا حديث أبي هريرة في صحيح مسلم أيضا  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " فدل الحديث على أن الدعاء للميت والصدقة عنه تنفعه بعد موته وهذا لا خلاف عليه ومثل هذا قوله تعالى في شأن دعاء المؤمنين للمؤمنين ممن سبقت لهم الوفاة  "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان" وكذلك حديث عوف بن مالك في الدعاء في صلاة الجنازة قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله .. ) الحديث رواه مسلم وكذلك حديث عائشة أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أمي افتلت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عليها؟ قال: نعم) رواه مسلم وكذلك حديث عائشة عند مسلم وفيه قال: " فإن جبريل أتاني حين رأيت، فناداني، فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي، فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم "، قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال " قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون " فهذه وصية الله لنبيه بالدعاء للموتى .

ومن هذا أيضا الصيام على من مات وعليه صوم كما في حديث  عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» أخرجه البخاري وبوب عليه : باب من مات وعليه صوم .

وكذلك الحج والعمرة عمن لزمته ولم يستطع تأديتها كما في حديث الخثعيمة عند البخاري  عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم،فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: «نعم»، وذلك في حجة الوداع

وبناء على ماسبق فإن الأصل أن قراءة القرآن لا يصل ثوابها للميت وهي إلى البدعة أقرب وذلك لأمور :

  • لا وجه للقياس على ماسبق من العبادات فإن الثلاثة التي في الحديث هي عبادات متعدية النفع لا يمكن قياس قراءة القرآن عليها لأن الأصل فيها أنها عبادة قاصرة والهدف من قراءة القرآن هو تدبره والانتفاع به في نفس الإنسان لذلك يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ولا يجوز أخذ الأجرة على قراءته لأنه عبادة محضة ولو توسعنا بالقياس  لقلنا به في الصلاة ولا قائل بهذا عند جماهير أهل العلم​​ .

  • من الأدلة على ما سلف ذكره أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن من بعدهم ولا عن واحد منهم أنه قرأ القرآن وأهدى ثوابه لميت مات مع كثرة أصحابه صلى الله عليه وسلم الذين ماتوا في حياته وكذلك من مات في حياة أصحابه وإنما كان هديه الدعاء كما في الأحاديث والآيات السابقة ومن المناسب هنا حكاية قصة جرت بين عبد الله بن المبارك و أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال: قلت لعبد الله بن المبارك، يا أبا عبد الرحمن: الحديث الذي جاء «إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك». قال: فقال عبد الله: يا أبا إسحاق، عمن هذا؟ قال: قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش فقال: ثقة، عمن قال؟ قلت: عن الحجاج بن دينار، قال: ثقة، عمن قال؟ " قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: يا أبا إسحاق، إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف

  • قراءة القرآن على الميت لها عدة صورة : أخفها من حيث الابتداع أن يأخذ المصحف ويقرأ سورة وينوي ثوابها للميت وأما ما سوى ذلك من الاجتماع على قراءة القرآن على رأس ثلاثة أيام أو أربعين واستئجار القراء ليقرؤوا على الميت أو قراءته على القبور فهذه لا خلاف على أنها بدعة​​ .

  • وقد استدلوا على الجواز بأحاديث واهية غاية في الضعف لا تصلح للاحتجاج تركنا ذكرها ههنا لعدم الإطالة وأشهرها حديث اقرؤوا يس على موتاكم رواه أبو داوود وغيره وفي سنده أبو عثمان عن أبيه وهما مجهولان لا يعرف حالهما ونقل أبو بكر بن العربي عن الدارقطني قوله : الحديث ضعيف الإسناد مجهول المتن ولا يصح في الباب شيء​​ .

  • بنبغي على من رأى هذا الرأي أن يتلطف في بيان ذلك للناس وألا يغلظ القول لهم فيما اعتادوه لأن النفس تألف ما اعتادته وألا ينكره إنكارا شديدا بل يبين لهم وينصحهم دون إثارة عداوة أو بغضاء خاصة وأن الجواز هو مذهب كثير من الفقهاء المعتبرين من المتقدمين والمتأخرين مثل ابن تيمية وابن القيم والشيخ ابن عثيمين وعامة فقهاء الحنابلة وإن لم يكن محل إجماع فقد خالفهم في ذلك الشافعية نقله النووي وتبقى المسألة خلافية محل نصح وبيان لا نهي وإنكار​​ .

  • ينبغي أيضا على المسلم أن يتحرى السنة وأن يتبع خطى صاحبها عليه السلام وألا يقلد في ذلك ما استطاع وألا يتعصب لقول اعتاده أو قال به مشايخ أهل بلده وأن يسأل الله الهدى والسداد فيما اختلفوا فيه والله الهادي إلى سواء السبيل

 

 

Scroll to Top