حديث يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ ، وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً " وفي رواية: "إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ بِحَائِطٍ ، فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً ". أخرجه الترمذي في "جامعه" (2 / 562) برقم: (1287) وابن ماجه في "سننه" (3 / 399) برقم: (2301) والبيهقي في "سننه الكبير" (9 / 359) برقم: (19713) والبزار في "مسنده" (12 / 140) برقم: (5721).
أقوال النقاد فيه: أعل النقاد هذا الحديث بتفرد يحيى بن سليم ، وتكاد تتفق كلمتهم على ذلك، غير أن المعاصرين صححوا الحديث وحسنوه، وإليكم تفصيل الأقوال:
1. أحمد بن حنبل:
* قال أحمد بن حنبل: "وقعت على يحيى بن سليم وهو يحدث عن عبيد الله أحاديث مناكير، فتركته ولم أحمل عنه إلا حديثا. «الضعفاء» للعقيلي 6/ 365.
* وقال أبو داود: سمعت أحمد، يعني ابن حنبل، يقول: يحيى بن سليم، مضطرب الحديث، روى عن عبيد الله مناكير. «سؤالاته» (238).
* سأل أبو داود الإمام أحمد عن هذا الحديث؟ قال أبو داود: «فانتهرني! استضعافًا للحديث» . انظر "مسائل أبي داود" (1927)
2. يحيى بن معين: قال البيهقي: " وَذُكِرَ لِأَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ فِي الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالْحَائِطِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ ، قَالَ : هَذَا غَلَط". السنن رقم 19713
3. البخاري: قال الترمذي: "سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ يَرْوِي أَحَادِيثَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ يَهِمُ فِيهَا. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ هَذَا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ" العلل الكبير (ص: 192)
4. الترمذي: قال: " "حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، لَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ ". برقم: (1287)
5. َ أَبُو زُرْعَةَ الرازي: قال :" هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ" . العلل لابن أبي حاتم الرازي : 2495
6. البزار، قال: "وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ إِلَّا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ" . مسند البزار رقم: 5721.
7. الخليلي، قال في ترجمة يحيى بن سليم : "لكنه اخطأ في أحاديث .. وذكر هذا الحديث ثم قال: "لم يسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم غير يحيى والباقون رووه عن ابن عمر عن عمر قوله". الإرشاد في معرفة علماء الحديث (1/ 386).
8. وقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "مَنْ مَرَّ لِرَجُلٍ بِزَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَمْ يَأْتِ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ بِإِبَاحَتِهِ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَالِكِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ , وَاللهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَقَدْ قِيلَ: مَنْ مَرَّ بِحَائِطٍ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً. وَرُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ لَوْ كَانَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ عِنْدَنَا لَمْ نُخَالِفْهُ , وَالْكِتَابُ وَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَالِ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ. قَالَ الشَّيْخُ: أَمَّا قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. السنن الكبرى للبيهقي (9/ 602).
9. قال البيهقي: "لم يصح وجاء من أوجه أُخر غير قوية". فتح الباري لابن حجر (5/ 90)
10. ومن أغرب ما وقفت عليه قول الحاكم: "وَقَدْ خَرَّجَ الشَّيْخَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ حَائِطَ أَخِيهِ فَلْيَأْكُلْ مِنْهُ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً» المستدرك (4/ 148). والحديث غير مخرج في الصحيحين.
وصححه الحديث من المتأخرين و المعاصرين:
1. قال الحافظ ابن حجر: " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ يَصِحَّ وَجَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ غَيْرِ قَوِيَّةٍ قُلْتُ وَالْحَقُّ أَنَّ مَجْمُوعَهَا لَا يَقْصُرُ عَنْ دَرَجَةِ الصَّحِيحِ وَقَدِ احْتَجُّوا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ بِمَا هُوَ دُونَهَا وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِي الْمِنْحَةِ فِيمَا عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى الصِّحَّةِ. فتح الباري لابن حجر (5/ 90)
2. ابن القطان الفاسي: " فَأَقُول: وَلم يتَبَيَّن من هَذَا مذْهبه فِيهِ، وَلَا حكم الحَدِيث. وَيَنْبَغِي أَن يكون حسنا، فَإِن يحيى بن سليم الطَّائِفِي زعم ابو حَاتِم أَنه لم يكن بِالْحَافِظِ، وَقَالَ ابْن حَنْبَل: فِي حَدِيثه شَيْء، وَكَأَنَّهُ لم يحمده. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين. وَهُوَ صَدُوق صَالح. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ، وَلكنه مُنكر الحَدِيث عَن عبيد الله بن عمر". بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (5/ 210). وقال في موضع آخر: " وَذكر: "
فَليَأْكُل وَلَا يتَّخذ خبنة ". وَلم يبين حكمه، وَهُوَ حسن". بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (5/ 779)
3. قال الألباني: "صحيح". صحيح وضعيف سنن الترمذي. سنن ابن ماجة.
4. قال شعيب الأرنؤوط: " حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف". سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط .
قلت (عبدالسلام):
1. يظهر في هذا الحديث الخلاف المنهجي في الحكم على الحديث ؛ فقد أجمعت أحكام النقاد على تعليل حديث ابن عمر، بينما ذهب بعض المتأخرين والمعاصرين (ممن وقفت على أقوالهم وفق كل ذي علم عليم) إلى تصحيح الحديث بالشواهد.
2. لم تغب هذه الشواهد عن النقاد -كما يحاول بعض أحبتنا تسويغ مخالفة المتأخر للمتقدم -، وهذا يحمل في طياته اتهام للنقاد بالقصورعن استيعاب هذه الروايات!!وفي حديثنا هذا نجد أن الإمام أحمد علل رواية ابن عمر وضعفها(بل وترك يحيى لأجلها)، نجده أخرج رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فماغابت عنه ولا جهلها حاشاه. وهذا واضح جلي في قول البيهقي.
3. والشواهد جيعها لا تخلو من مقال:
1. موقوف عمر: وهومن رواية أبي بكربن عياش الذي تغير بأخره، قَالَ عُمَرُ : إِذَا مَرَرْتَ بِبُسْتَانٍ فَكُلْ ، وَلَا تَتَّخِذْ خُبْنَةً " . مصنف ابن أبي شيبة 20681
2. حديث عمرو بن شعيب: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ ، فَقَالَ : مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ ، فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ وَذَكَرَ فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ كَمَا ذَكَرَ غَيْرُهُ قَالَ : وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ : مَا كَانَ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمِيتَاءِ أَوِ الْقَرْيَةِ الْجَامِعَةِ فَعَرِّفْهَا سَنَةً ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا ، فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ ، فَهِيَ لَكَ ، وَمَا كَانَ فِي الْخَرَابِ يَعْنِي فَفِيهَا وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ . سنن أبي داود : 1710
3. ومرسل عطاء: -عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْجَائِعِ الْمُضْطَرِّ إِذَا مَرَّ بِالْحَائِطِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَلَا يَتَّخِذَ خُبْنَةً . قلت:وفيه زيادات لم تذكر ، وهو مرسل. السنن الكبرى للبيهقي 19718.
4. ونلحظ في قول الشافعي نقد لمتن هذا الحديث بالثابت في حفظ حقوق العباد.
5.من هنا تأت دعوتنا دوما للعودة إلى النبع الأصيل، والمعدن الوفير،؛ نقاد عصر الرواية، وعرض أحكام المتأخروالمعاصر على أقوالهم.
د. عبد السلام أبو سمحة
Created on 14 حزيران/يونيو 2018.