منهج “المدرسة الغُمارية” من أسوأ المناهج النقدية المعاصرة في الاشتغال بالحديث النبوي، ولهم تراثٌ واسعٌ في التخريج والنقد ودراسة الرواة والأسانيد، ولا تخلو من فوائد ونكات إلا أنّه تغلب عليهم سماتٌ سلبية ظاهرة في كتبهم، منها:
١- الاعتداد المبالَغ فيه بالنفس، وعدم الاكتراث بمخالفة نقاد الحديث الأوائل، بل والتصريح بتخطئتهم والرد عليهم، وانظر مثلًا كتاب أبي الفيض: «ليس كذلك» يورد فيه ما أعلّه نقاد الحديث الأوائل ثم يخطّئهم ويتعالم عليهم ويدفع العلة بما لا طائل تحته! ولهم أجزاء حديثية يخطّئون فيها جماهير نقاد الحديث سواء في الحكم على الأحاديث أو في الحكم على بعض الرواة، وانظر رسالة أحمد الغماري: «فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي»، ورسالة عبد العزيز الغماري: «الباحث عن عِلل الطعن في الحارث». فتتعجب من هول الوقاحة مع نقاد الحديث والطعن في نياتهم والجعجعة الفارغة بلا طائل!
٢- التأرجُح مع أهوائهم في التصحيح والتضعيف، والاضطراب في التعامل مع القواعد النقدية، واستدعاء أقوال نقاد الحديث فيما يشتهون، وتحايد أقوالهم وتنكُّب أحكامهم متى يريدون، والحديث الذي تشتهيه أنفسهم وليس فيه رمقٌ من الصحة قوّوه وصحّحوه ولو كان مثخنًا بالعِلل، والحديث الذي لا يجري على مشربهم تطلّبوا له العِللَ وغمزوه وقدحوا فيه بأوهن الحجج. والأمثلة على ذلك كثيرة ليس هذا موضع بسطها.
٣- التشيُّع المفرط لعلي رضي الله عنه الذي نتج عنه إساءة الظن بنقاد الحديث الأوائل والتشكيك بنزاهتهم وأمانتهم، ورميهم في دينهم، واتهامهم بالانحراف عن أهل بيت النبوة والانحياز لأعدائهم من النواصب وبني أمية، والوقاحة مع بعض الصحابة وتكفيرهم ولعنهم ورميهم بالنفاق!
وقد وصف أحمد الغماري الإمام البخاري بأنه: «نويصبي صغير»! مقلدًا ومتابعًا المترفّض اليماني ابن عقيل الحضرمي! وقال أخوه عبد العزيز عن “صحيح البخاري” في كتابه “الباحث”: «ومَعاذ الله أن يكون الكتابُ (يعني: صحيح البخاري) الذي فيه حديث حَريز بن عثمان، وعمران بن حطان من الكتب المقتصرة على الصحيح، ولو أجمع على ذلك الجن كما أجمع عليه البشر!!، ومن رجع إلى ترجمة حَريز بن عثمان يعرف ما نقول، ويتحقق أنَّ حديث الملعون ينبغي أن يُذْكَر في الموضوعات لابن الجوزي ولكن هذا ما شـاء الله».
قلت: وهذا يدل على قلة عقله وسخف رأيه! وإلا فمنهج الإمام البخاري في التعامل مع مرويات أهل البدع مبني على الضبط وصدق اللهجة وتحايد ما يروونه في تقوية بدعهم، وليس عند البخاري لعمران بن حطان إلا حديثان، أحدهما: سؤاله أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن الحرير، والآخر عن التصاوير، وكذا ليس لحريز في الصحيح ما يقوّي بدعته، وقد أخرج البخاري لغلاة الشيعة، بل لبعض الروافض، أضعاف ما أخرجه للموصوفين بالنصب، لكن هذا أمر لا تدركه العقول السطحية الغارقة في التقليد!
٤- الطعن في “الصحيحين” بلا أدنى تحرُّج، والتهوين من منزلتهما، وتكذيب دعوى الإجماع على صحة ما فيهما -مما لم يُتعقّبا فيه-، والتصريح بأنها «دعوى فارغة» كما قال أحمد الغماري في “المغير”، بل واتخاذ “الصحيحين” غرضًا كلّما عنَّ لأحدهم إبراز شخصيته النقدية وإظهار أمراضه النفسية، وقد ضعّف عبدُ الله الغماري جملةً كبيرة من “متون” أحاديث الصحيحين في كتابه: «الفوائد المقصودة» بما لم يسبقه إليه أحدٌ! وقال أحمد الغماري في “المفيد للسائل والمستفيد”: «وهذا صحيح البخاري ومسلم، فيه (الكثير) من الغلط والباطل المحقق»!! والله المستعان!