نموذج للحديث المنكر عند أبي حاتم

حديث: إدريس بن يحيى عن عبد الله بن عياش قال حدثني عبد الله بن سليمان عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين".

قال أبو حاتم كما في العلل  : هذا حديث منكر.

أقول: ههنا قضايا:

الأولى: نافع من المكثرين الذين انتشر حديثهم وله أصحاب كثيرون، ذكروا أنهم تسع طبقات بحسب الثقة والتثبت فيه، كما في شرح العلل لابن رجب  ولم يأت أحد بهذا الحديث عنه من أصحابه المعتنين بحديثه، لا سيما المدنيين منهم؛ إنما تفرد به عبد الله بن سليمان هذا المصري، وهو مستور الحال، لم يوثق توثيقًا معتبرا، وروى أحاديث لم يتابع عليها كما قال البزار، ولو وثق مع ذلك لما قُبل منه تفرده عن مثل نافع بهذا الحديث، دون بقية أصحابه المعروفين، والأئمة يردون تفردات من هو أحسن حالا بكثير من الطويل هذا، وقد شرحت قضية التفرد في كتابي: "فقه تعليل الحديث" وهو قيد الجمع.

الثانية: معنى النكارة هنا هو هذا التفرد الذي لا يحتمل، والذهاب إلى أن حمل النكارة أحيانا على مطلق التفرد، دون أن يلزم من ذلك رد الحديث: حمل غير سائغ، يرده الاستقراء لكتب العلل ، و يأباه مقتضى لفظ: المنكر من الذم.

الثالثة: ليس من شأن المحدثين الاكتفاء في الحكم على الأخبار بالنظر في ظواهر الأسانيد، فهذه طريقة مخترعة، بل لابد من التحقق من جميع شروط التصحيح المعتبرة، ومنها: انتفاء الشذوذ والنكارة والعلة.

الرابعة: لا يوجد عند أهل العلم عند الحكم على الأخبار إطلاق القول بأن فلانا: صحيح الحديث بناء على أنه ثقة، ولا أنه حسن الحديث بناء على أنه صدوق، بل لكل حديث نظر خاص بحسب اجتهاد الناقد في توفر شروط القبول، ولم أجد شيئا أفسد هذا العلم في الأزمان المتأخرة إلا ذلك الوصف "حسن الحديث" الذي تُوسع جدا في إطلاقه على مستورين ومتوسطي الحال وممن لم يختبر حاله من الضبط، ولا يعرف إدراكه وسماعه ممن روى عنه، فتُحسن أحاديث تفرد بها هؤلاء، وحقها الرد أو التوقف على أقل تقدير.

الخامسة: استنكار حديث نافع هذا عن ابن عمر لا يدفعه ورود الحديث من طريق أو طرق أخرى ضعيفة أو لينة، والمنكر منكر أبدًا كما قال غير واحد.

 

Scroll to Top