إذا حكى أحد حذّاق النقاد تفرُّد الراوي بإسنادٍ، فغالبُ المتابعات له معلولةٌ أو فيها خللٌ أو تصحيف، فلا تستعجل بتخطئة الناقد، وتتطلّب المتابعات من كتب المتأخرين، وتغتر بظواهر الأسانيد الصحيحة.
وسأضرب لك مثالًا تطبيقيًا اعتبر به في سائر هذا الباب:
روى سعيد بن أبي عروبة، عن أبي المَليح بن أُسامة، عن أبيه: «أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن جلود السباع».
قال الترمذي عقبه: «ولا نعلم أحدًا قال: عن أبي المليح، عن أبيه غير سعيد بن أبي عروبة».
قلت: وردت له متابعة عن شعبة.
أخرجه البزار (6/321، رقم 2332) حدثنا محمد بن المثنى، قال: أخبرنا محمد بن جعفر. وأخرجه الطبراني في الكبير (1/192، رقم 509) قال: حدثنا عبدان بن محمد، ثنا أبو كُريب، ثنا ابن المبارك. كلاهما (محمد بن جعفر، وابن المبارك) عن شعبة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل رواية سعيد بن أبي عروبة.
قلت: وظاهر الإسنادَين في غاية الصحة، وكلاهما خطأ.
أما حديث أبي كريب عن ابن المبارك: فأعلّه مسلم بن الحجاج، فيما رواه أبو عثمان البحيري في فوائده (رقم 152) – ومن طريقه ابن نقطة في التقييد (ص ٤٤٨)-، قال: أخبرنا أبو سعيد بن حمدون، أنبا أبو حامد الشرقي، قال: سمعت أحمد بن سلمة، يقول: قلت لمسلم بن الحجاج: إنَّ أبا كريب، ثنا عن ابن المبارك، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن جلود السباع». فقال مسلم: «هكذا رواه أبو كريب، فاستره عليه».
قال ابن نقطة في التقييد: «قول مسلم: هكذا رواه أبو كريب فاستر عليه؛ لأنه رواه عن ابن المبارك عن شعبة، وإنما رواه ابن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة».
قلت: وكذلك ما قاله محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن شعبة، فإنَّ محمدًا يرويه عن سعيد بن أبي عروبة كما رواه أحمد عنه لا عن شعبة، فتصحّف عند الطبراني: سعيد إلى شعبة، وقد نبّه على ذلك الضياء في المختارة (4/184، رقم 1396)، فقد روى الحديث من طريق الطبراني، فقال: «وبه، أنا سليمان بن أحمد، نا عبدان بن أحمد، نا أبو كريب، نا ابن المبارك، عن شعبة، وصوابه: سعيد».
وهكذا بقي قول الترمذي بتفرُّد سعيد بن أبي عروبة برفع الحديث صحيحًا، والله أعلم.