ذكر نوع الضعيف الذي احتج به فقهاء أهل الحديث في الأحكام -11-

إتمامًا للمنشور السابق:
ذكر نوع “الضعيف” الذي احتج به فقهاء أهل الحديث في الأحكام:

أقول: يوجد فرقٌ بين الحديث “المنكر” الذي تحقَّق فيه الخطأ، سواء كان راويه ثقة أو ضعيفًا، والحديث “الضعيف” الذي لم يتحقق فيه الخطأ لكن ضعّفه النقاد تغليبًا لجانب الاحتياط؛ لعدم استيفائه شروط الصحة، كحديث مجهول الحال، وسيء الحفظ، والانقطاع في الإسناد بأنواعه.

فالأول مطروح العمل لا يُعتبر به ولا يتقوّى بغيره ولا يقوّي غيره؛ لأنه خطأ على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كأنه غير موجود، ولو كان راويه ثقةً، بينما يُستدل بالثاني ويُعتبر به؛ لأنه يُحتمل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله، لكن لم يصححه نقاد الحديث بناء على منهجهم في تغليب جانب الاحتياط، وقد يصححونه لقرائن تظهر لهم.

وقد بيّن الإمام أحمد الفرق بين النوعين بعبارة وجيزة جامعة فقال: «الحديث عن الضعفاء قد يُحتاج إليه في وقتٍ، والمنكر أبدًا منكر».

قلت: يعني أنَّ الضعيف -وهو الذي لم يتحقق فيه الخطأ كأحاديث من سبق ذكرهم- قد يُحتاح إليه في التقوية ويُنتفع به في مواضع، أما المنكر – وهو الذي تحقق فيه الخطأ- فهو منكر على الدوام، لا يقوّي ولا يتقوّى؛ لأنه خطأ محض.

والأول هو الضعيف الذي كان يعمل به الإمام أحمد وفقهاء أهل الحديث ويقدمونه على الرأي والقياس؛ لأن هذا النوع من الحديث احتمال صوابه أكثر من الرأي؛ لاحتمال أن يكون النبي، صلى الله عليه وسلم، قد قاله.

وقد خلط بين النوعين جماعةٌ كبيرة من المنتسبين للحديث وللفقه.

ووجدتُ بعض فقهاء الحنابلة يستدلون بأحاديث تحقق فيها الخطأ، وضعّفها إمامُهم لشذوذها ونكارتها، وإن عمل بموجبها لكن بأدلة أخرى، وهم يظنون أنها من جملة الضعيف المنجبر، كحديث المسح على الجبيرة، والمسح على الجوربين، ووضع اليد تحت السُّرّة، فكل هذه الأحاديث خطأ، وقال بها أحمد لقول بعض الصحابة فيها، لا عملًا بهذه المناكير.

وإلا فكيف يُصحّح حديث أبي قيس ابن ثروان في المسح على الجوربين، وقد خالف أربعين راويًا عن شعبة لم يذكروه! وكذا حديث المسح على الجبيرة، فقد قال ابن معين: «لم يحدّث به معمر قط، ولو حدّث به عبد الرزاق عنه فهو حلال الدم!» ومع ذلك وجدنا من صححه من المتأخرين، اغترارا بظاهر إسناده! وقل مثل ذلك عن مكان وضع اليد، فكل ما ورد من التعيين فهو شاذ خطأ.

 

Scroll to Top