المنكر عند المتقدمين -12-

‏وصف الحديث بأنه «منكر» عند أحمد وغيره من المتقدمين: لا يعني أنّ متنه منكرٌ في الشريعة، فقد يكون معناه صحيحًا متواردًا في النصوص، ولا أنّ في رجال إسناده ضعيفًا أو متروكًا، فقد يكونون ثقات بل حفاظًا، وإنما يستنكرون ما أخطأ فيه الراوي، أو تفرّد به على وجهٍ لا يُحتمل منه ولو كان ثقة.

‏فللمنكر معنيان عند المتقدمين:
١- يستعملونه بمعنى الخطأ، أي: خطأ الراوي في الإسناد، وهذا هو الغالب في استعمالهم، وهذه النكارة لا تنجبر؛ لأنها خطأ محقّق، والخطأ لا يمكن أن يُصحح ولا أن ينجبر، وهذا معنى قول الإمام أحمد: المنكر أبدًا منكر.

٢- وأحيانًا قليلة يستعملونه فيما تفرُّد به الراوي بما لا يُحتمل منه، وهذا اصطلاح ليحيى بن سعيد وأحمد وغيرهما على ما حققه ابن رجب في شرح علل الترمذي، وهذه النكارة يُحتمل أن تزول إذا ورد معناه في أحاديث أخرى، لكن الناقد الحاذق إذا حكى تفرد الراوي بخبر واستنكره، فكل المتابعات له واهية؛ لأنه مطلع عليها غالبًا فلم يعتد بها.

أما معناه عند المتأخرين فهو: ما يرويه الضعيف مخالفًا للثقة، فليحظ في التعريف: اشتراط أن يكون راويه ضعيفًا، وأن يخالف فيه الثقة، ولا يُعرف هذا المعنى في تطبيقات نقاد الحديث الأوائل، بل إنهم يستنكرون الخطأ في الإسناد على أي وجه وقع، سواء كان راويه ثقة أو ضعيفا أو متروكًا، ولا يشترطون وقوع المخالفة لتحقق النكارة، بل يستنكرون مطلق الخطأ، كزيادة راوٍ ثقة أو تفرُّده بما لا يُحتمل منه، والأمثلة في ذلك كثيرة جدًا في كتب العلل.

 

Scroll to Top