التصحيح بالطرق الواهية -7-

‏جناية التصحيح بالطرق الواهية!

تتابع نقاد الحديث الأوائل على استنكار حديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها»، وكذّبوا راويه أبا الصلت الهروي الذي تفرد به؛ حتى قال الإمام أحمد: «قبح الله أبا الصلت»، وقال ابن عدي: «هذا الحديث موضوع، يُعرف بأبي الصلت، رواه أبو الصلت فكذّبوه».

‏وممن استنكر هذا الحديث من النقاد وكذّب راويه:
الإمام أحمد، وابن معين، ومُطيّن، والبخاري، والترمذي، والدارقطني، والعقيلي، وابن عدي، وابن حبان.
ومن المتأخرين: ابن الجوزي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيسراني، والذهبي، والمعلّمي، والألباني، وغيرهم.

‏وقد رُوي هذا الحديث من طرق كثيرة جدًا، وبأسانيد مختلفة، يظن من لا يعرف أنها متعددة المخارج، وهي في الحقيقة مسروقة من رواية أبي الصلت، ركّب لها المتروكون والضعفاء والمجاهيل أسانيد وظنوها تمشي على النقاد!

‏قال الحافظ مُطيّن: «لم يرو هذا الحديث عن أبي معاوية من الثقات أحد، رواه أبو الصلت فكذّبوه».
وقال ابن حبان: «هذا شيء لا أصل له، ليس من حديث ابن عباس، ولا مجاهد، ولا الأعمش، ولا أبو معاوية حدّث به، وكل من حدّث بهذا المتن؛ فإنما سرقه من أبي الصلت هذا، وإن قلب إسناده».

قلت: ‏وقول ابن حبان: «وكل من حدّث بهذا المتن؛ فإنما سرقه من أبي الصلت هذا، وإن قلب إسناده»، قولُ ناقدٍ خبير، تتبّع المرويات ومحّصها فوجدها ترجع إلى رواية أبي الصلت، وهذا يعني: الإياس من وجود متابعات وشواهد لهذا الحديث! وكان ينبغي على المتأخر التسليم للمتقدم وعدم التحذلق في تطلُّب
‏متابعات محكوم عليها بالقلب والسرقة!

لكن مع هذا التنصيص على نكارة الخبر، والتنبيه على أن جميع أسانيده مسروقة عن أبي الصلت، وراجعة إليه، ومركّبة منه = تجد بعض المتأخرين اغتر بتلك الأسانيد وصحّح هذا الحديث المكذوب بمجموع طرقه!

ومن هؤلاء:
‏الحافظ العلائي، وابن حجر، والسخاوي!
دع عنك مجازفات أحمد الغماري الذي صنّف جزء لتصحيحه، وشنّع على النقاد، ورماهم في دينهم وعقائدهم؛ لشيعية شديدة فيه!
ودع كذلك غفَلات الحاكم في مستدركه إزاء أحاديث مناقب علي؛ لشيعية فيه أيضًا!

فقط دقّق في أسماء أكابر المتأخرين من المشتغلين بنقد ‏الحديث، وعلى رأسهم: الحافظ ابن حجر؛ لتعلم جناية تنكّب طريق النقاد الأوائل، والتوسع غير المرضي في تصحيح الأحاديث الموضوعة بالطرق الواهية والمسروقة!

ورحم الله الحافظ ابن حجر القائل: «وبهذا التقرير؛ يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين، وشدة فحصهم، وقوة بحثهم، وصحة نظرهم وتقدمهم؛ بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك، والتسليم لهم فيه». النكت على كتاب ابن الصلاح (2/726).

‏فتأمل هذه الشهادة العظيمة من خاتمة نقاد الحديث المتأخرين التي يُقِرُّ فيها بقيمة أحكام نقاد الحديث الأوائل مرجحًا أحكامهم النقدية على أحكام مَن جاء بعدهم، وموجبًا المصير إلى تقليدهم والتسليم لهم وترك منازعتهم والاعتراض عليهم .. والله المستعان.

 

Scroll to Top